هذا درس رائع في الثقة بالله ..
والأدب معه .
والتسليم له ..
والتحقق بالعبودية لهُ جل جلاله ..
فاقرأ وتأمل ثم احرص على أن تتحقق :
دعت امرأةُ عمرانَ اللهَ عز وجل أن يرزقها غلاماً تنذرهُ لخدمة البيت ..
( إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً
فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
كانت تلك أمنيتها ..غير أن اللهَ سبحانه رزقها أنثى ..!
فكأنما تحسرتْ ....
لا لكونها مجرد أنثى ، ولكن لأن نذرها لن يتحقق على الصورة التي ترغب ،
فهي كانت تريد غلاماً يقوم على خدمة البيت المقدس .. فقالت :
( رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ..... )
قال بعض العلماء :
( وليس الذكر كالأنثى ) .. إن كانَ من كلامِ الله سبحانه ، فالمعنى :
إن كنتِ تريدين ذكراً ليقومَ بخدمةِ البيت ، فإني رزقتكِ بأنثى لن تكونَ كأي أنثى ، بل سيكون لها شأناً أعظم من مجرد خدمة البيت ،فليس الذكر هنا كالأنثى .. بل إن أي ذكرٍ هاهنا لن تبلغ مرتبته مرتبة هذه
الأنثى بالذات ، لأنها ستكونَ آية من آيات الله سبحانه ..
وإن كانت العبارة من كلام امرأة عمران _ وهذا هو الراجح _ ،: فالأمر واضح ، أنها تتحسر أن الأنثى لن تكون كالذكر في خدمة البيت .. الشاهد هنا : أن هذه المرأة الصالحة تمنت شيئاً ، فأعطاها الله بخلاف ما تمنت !! ولم تتأفف .. ولم تتضجر .. ولم تسخط .. ولم .. ولم ..! وكان ما اختاره الله سبحانه هو الخير كله .. خير للبيت ، وخير لامرأة عمران وآلها ، وخير لمريم ، بل خير للأمة التي نشأت فيها هذه الأنثى المباركة ، ليرزقها الله غلاماً مباركاً ، ليربي تلك الأمة على منهج الله الذي يحمله إليها ..! ومن أعظم الدروس ( العملية ) المستفادة في هذا المشهد : أن الإنسانَ قد يدعو ويلح على الله بالدعاء ، طلباً لحاجة ، غير أن اللهَ سبحانهلا يعطيه ما طلب ، ولا يحقق له ما أراد ، لكنه يختار له ما هو أفضل مما طلب ، وأروع مما أراد ، وأكثر بركة مما تمنى ...!! فعلينا أن نثق باللهِ سبحانه كل الثقة ، ونسلم له كل التسليم ، ونتأدب معه كل الأدب ، حتى ونحن نلح عليه بالدعاء والضراعة ، ثم نحن لا نرى الإجابة ..!! علينا أن نثق أن الخيرة كل الخيرة فيما اختاره الله لنا .. ثق أن الله سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه بصدق .. كما وعد بذلك : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .. ولكن اعلم .. أنه يستجيب لك في الوقت الذي يريد هو ، لا في الوقت الذي تحدده أنت ، فإنما أنت عبد .. فاعرف قدرك ..
أدبُ العبيد تذللُ ** والعبدُ لا يدعُ الأدبْ
فإذا تكاملَ ذلهُ ** نالَ المودةَ واقتربْ
ولعلك تطلب شيئاً فيه هلاكك ، وأنت لا تعلم .. فدع الله يختار لك ما يراه لك صالحاً .. فلا تقلق إذا لم تر إجابة ، فإنه يختار لك الأصلح ..
( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ .. وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون ) ..
المهم ..أن نواصلَ الضراعة ، ونديم طرق باب السماء بدعاء متصل ، نلح بذلك
ليل نهار ، فإن اللهَ سبحانه يحب العبد الملحاح
_ الذي يلح عليه سبحانه في طلب حاجته _ ..
قال بعض العارفين :
قد تتأخر الإجابة ، لتدوم الضراعة ...!!
الله أكبر ...! يا لهذا المعنى الجليل الرائع ...!
يا هذا .. حين لا ترى إجابة دعائك فلا تبتئس ..
فلعلك من هؤلاء الذين يحب اللهُ سماع أصواتهم ، وضراعتهم ، فهو لا يحقق
لهم ما طلبوا ، لتدوم ضراعتهم بين يديه .. !!
وفي هذا كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
فإذا صدقت وأدمتَ طرق الباب ، فثق أن فيوضات الرحمات ستغمر قلبك
ولو بعد حين ..
وتذكر دائماً هذه الآيات التي صدرنا بها هذا المقال ..
كيف أن هذه المرأة الصالحة ألحت في طلب شيء ، غير أن الله أعطاها عكس ما طلبت ..!!
وكان الخير كله فيما اختاره الله لها .. فتعلم وافهم وتأدب ..
نسأل اللهَ عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا
وأن يحققنا بأدب العبودية بين يديه ، والتسليم المطلق له ، والثقة التامة به ..
اللهم آمين ..
ضع تعليق بحسابك فى الفيس بوك |
|