ذكر الله تعالى حق الجار في قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) ﴿٣٦﴾ النساء "الجار ذي القربى" هو الجار الذي تربطك به صلة قرابة ، فله حق الجوار وحق الرحم ، و "الجار الجنب" هو الجار الذي لا تربطك به صلة قرابة ، فله حق الجوار ، وقبل "الجار ذي القربى" هو الجار المسلم ، فله حق الجوار وحق الإسلام ، و "الجار الجنب" هو الجار المشرك فله حق الجوار .
انظر كيف كان الرسول يحسن إلى جيرانه ، كان له في مكة جار يهودي ، وكان هذا الجار يؤذيه ويضع القاذورات والشوك في طريقه ، وافتقده الرسول فقيل له أنه مريض ، فذهب ليعوده . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَاصْبِرْ ؛ فَآتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ : اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ ؛ فَجَعَلَ النَّاسَ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ : فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ ، فَجَاءَ إلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ } . إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَهُ أَيْضًا وَلِلتِّرْمِذِيِّ ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً فَقَالَ : أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا زَالَ جِبْرِيلُ ... } الْحَدِيثَ .
وكان محمد بن الجهم جارًا لسعيد بن العاص عاش سنوات ينعم بجواره ، فلما عرض محمد بن الجهم داره للبيع بخمسين ألف درهم ، وحضر الشهود ليشهدوا ، قال : بكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص ؟ قالوا : إن الجوار لا يباع ، وما جئنا إلا لنشتري الدار . فقال : وكيف لا يباع جوار من إذا سألته أعطاك ، وإن سكتَّ عنه بادرك بالسؤال ، وإن أسأت إليه أحسن إليك ، وإن هجته عطف عليك ؟ فبلغ ذلك الكلام جاره سعيد بن العاص فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال له : أمسك عليك دارك .
قيل لابن المقفع رحمه الله أنه هناك في دارك الكثير من الفئران ، فلو اقتنيت هراً ، فقال : أخشى أن يسمع الفأر صوت الهر ، فيهرب إلى دار الجيران ، فأكون قد أحببت لهم ما كرهت لنفسي .
حدود الجيران
قال العلماء أن دائرة الجيران، أربعون بيتاً ، قال الزهري : أربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، وأومأ إلى أربع جهات .
أيضا الجار ليس هو فقط من جاورك في السكن ، وهذه صورة واحدة فقط من صور الجوار ، وهي من أعظم الصور ، ولكن هناك صور أخري تدخل في مفهوم الجوار ، الجار في السوق مثلا، والجار في المزرعة ، الجار في العمل ، الجار في مقعد الدراسة ، كل هذه وغيرها صور من صور الجوار ،
أنواع الجيران
قال العلماء كذلك أن الجيران ثلاثة : "جار له حق واحد ، وجار له حقان ، وجار له ثلاثة حقوق ، فالجار الذي له ثلاثة حقوق : الجار المسلم ذو الرحم ، فله حق الجوار ، وحق الرحم ، وأما الذي له حقان، فهو الجار المسلم فله حق الجوار ، وحق الإسلام ، وأما الذي له حق واحد فهو الجار المشرك" وهذا حديث رواه أبو نعيم في الحلية
جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود وقال : إن لي جار يؤذيني ويشتمني ويضيق عليّ ؛ فقال ابن مسعود : اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه .
يقول الإمام أبي حامد الغزالي : "ليس حق الجوار كف الأذى فقط ، ولكن احتمال الأذى ، وليس احتمال الأذى فقط ، ولكن لابد من الرفق وإسداء الخير والمعروف ، حتى يقال إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة ، ويقول يا رب سل هذا لم منعني معروفه ، وسد بابه دوني" .
لقد ورد في ذلك حديث عن معاذ بن جبل ، قال القرطبي : سنده حسن ، وبيّن أهم حقوق الجار : "قلنا : يا رسول الله، ما حق الجار ؟ قال : إن استقرضك أقرضته ، وإن أستعانك أعنته ، وإن احتاج أعطيته ، وإن مرض عدته ، وإن مات تبعت جنازته ، وإن أصابه خير سرك وهنيته ، وإن أصابته مصيبة ساءتك وعزيته ، ولا تؤذه بقُتَار قدرك إلا أن تغرف له منها ، ولا تستطيل عليه بالبناء لتشرف عليه وتسد عليه الريح إلا بإذنه ، وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها ، إلا فأدخلها سراً لا يخرج ولدك بشيء منه يغيظون به ولده ، هل تفقهون ما أقول لكم ، لن يؤدي حق الجار إلا القليل ممن رحم".
تخيل مجتمعاتنا لو طبقنا هذا الباب فقط من أبواب الحقوق في الإسلام ، وهو باب حق الجار ، تخيل أنك تحفظ لجيرانك حقوقهم ، مائة وأربعون بيتا تؤدي لهم حق الجار ، وهؤلاء المائة وأربعون بيتا يؤدون لك حق الجوار .
لا شك أنه سيكون مجتمعا يسوده السلام ، وطمأنينة النفس وسكون القلب .